الدعم السريع- إرهاب عابر للحدود يتطلب استجابة دولية حازمة

استعرضنا في الجزء الأول من هذه السلسلة النقصَ الفادح في ردود الفعل الدولية تجاه الحرب الشعواء التي شنتها ميليشيا الدعم السريع، مدعومةً بقوى خارجية طامعة، ضد الشعب السوداني ودولته. (تحوير صورة الجنجويد: لماذا تتجاهل الدعم السريع نداءات المجتمع الدولي؟). سأبين فيما يلي كيف يقدم القانون الدولي أساسًا راسخًا لإيجاد حل سلمي للأزمة السودانية الراهنة.
يمثل حق الدولة في الدفاع عن نفسها وعن رعاياها حجر الزاوية في القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. هذا الحق ليس مجرد رخصة، بل هو التزام على الدول ممارسته لصون سيادتها وضمان سلامة مواطنيها. ومع تصاعد حدة الصراعات العالمية، يجب أن نركز بشكل خاص على الأعمال الهمجية التي ترتكبها الكيانات الخارجة عن القانون، كالجماعات الإرهابية والمنظمات الإجرامية والميليشيات. تجسد قوات الدعم السريع، المعروفة سابقًا باسم الجنجويد في السودان، هذه الفئات الثلاث بشكل جلي.
مما يدعو للأسف، أن المؤسسات المنوط بها دعم القانون الدولي غالبًا ما تضعف دون قصد سيادة الدولة، والتي هي أساس النظام العالمي. يحدث هذا عندما يتم منح الجهات الفاعلة من غير الدول نفس المكانة التي تتمتع بها الدول ذات السيادة ومؤسساتها الرسمية. بالإضافة إلى ذلك، أصبحت قضايا العدالة وحقوق الإنسان والقانون الإنساني ساحةً للخلافات السياسية المتزايدة.
التقرير الأخير الصادر عن بعثة تقصي الحقائق التابعة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بشأن السودان يقدم مثالاً واضحًا على ذلك. يسجل هذا التقرير فظائع مروعة وانتهاكات جسيمة للقانون الإنساني الدولي ارتكبتها الميليشيات، بما في ذلك جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والعنف الجنسي والاستعباد وتجنيد الأطفال قسرًا.
لكن المثير للدهشة والاستنكار، أن البعثة تدعو إلى فرض حظر على الأسلحة يشمل القوات المسلحة السودانية، وهي الجيش الوطني الذي يدافع عن الشعب السوداني في وجه هذه الميليشيات الوحشية. بعبارة أخرى، تطالب البعثة بحرمان الشعب والدولة السودانية من أبسط الحقوق والواجبات الأساسية، ألا وهو الدفاع عن النفس في مواجهة ما يرقى إلى غزو أجنبي سافر للبلاد.
السمات الجوهرية للإرهاب
تشترك ميليشيا الدعم السريع في ثلاث سمات أساسية مع التنظيمات الإرهابية: أيديولوجية متطرفة واستئصالية، وامتدادات عابرة للحدود، ووحشية عشوائية، لا سيما تجاه المدنيين العزل والنساء. وفي حين أن العنف العرقي والجنسي الذي تمارسه الميليشيا موثق بشكل وافٍ، إلا أن الأشكال الأخرى من العنف، التي تصنفها ضمن قائمة الجماعات الإرهابية، لم تحظ بالاهتمام الكافي.
ينبع العنف المتفشي الذي تمارسه الميليشيا من أيديولوجية التفوق العرقي، التي تسعى جاهدة لإنشاء وطن خالص للقبائل العربية من دارفور والساحل، وغالبًا ما يشار إليهم بـ "عرب الشتات". لتحقيق هذه الغاية الخبيثة، تقوم الميليشيا بطرد السكان الأصليين في المناطق الزراعية الخصبة، مثل دارفور وكردفان والجزيرة وسنار، بهدف إعادة توطين هؤلاء البدو الرحل العرب.
التطرف العرقي المتأصل
قليل من وسائل الإعلام سلطت الضوء على المخاطر الكامنة وراء هذا المخطط الشيطاني. وقد حذر الكاتب السوداني المرموق عثمان ميرغني، نائب رئيس تحرير صحيفة الشرق الأوسط العربية سابقًا، وآخرون، من التداعيات بعيدة المدى لهذا المشروع الخطير على المنطقة بأكملها. كشفت التحقيقات المشتركة التي أجرتها سكاي نيوز، ولايت هاوس ريبورترز، وواشنطن بوست، ولوموند عن نمط ممنهج من التطهير العرقي من قبل قوات الدعم السريع، التي يردد مقاتلوها المتطرفون شعارات بغيضة مثل "النصر للعرب".
تعج وسائل التواصل الاجتماعي بمقاطع فيديو لشباب عرب من منطقة الساحل يحتفلون بالانتصارات العسكرية الوهمية لقوات الدعم السريع في دارفور ومناطق أخرى، حيث أشادت شخصيات بارزة من هذه المجتمعات علنًا بـ "زعيمهم المنتصر" حميدتي.
وأشار الخبير البارز في شؤون القرن الأفريقي أليكس دي وال في وقت مبكر من الصراع إلى أن "قوات الدعم السريع هي الآن مؤسسة مرتزقة خاصة عابرة للحدود الوطنية"، قادرة على تحويل السودان إلى مجرد فرع تابع لهذا المشروع إذا تُركت دون حسيب أو رقيب. وقد أصبحت هذه الميليشيا تعتمد بشكل كبير على المرتزقة ورجال القبائل العربية بعد خسائرها البشرية الفادحة.
الاستجابة الدولية المترددة والمساءلة الغائبة
بالتناقض الصارخ مع استجابة المجتمع الدولي لتهديد تنظيم الدولة الإرهابي وأمثاله، فقد قلل بشكل خطير من شأن التهديد الذي تمثله ميليشيا الدعم السريع / الجنجويد. الأمر الأكثر إثارة للقلق هو استمرار بعض الأطراف الفاعلة، سواء كانت حكومات أو منظمات غير حكومية، في تقديم الدعم العسكري للميليشيا، مما يتيح لها ارتكاب الفظائع دون خوف من العقاب. هذه القضية تتجاوز حدود السودان، بل هي قضية دولية تتطلب استجابة موحدة وحازمة.
من المسلم به أن المجرمين لا يمكن أن يخضعوا للقانون طواعيةً، لذلك تفوض الدول سلطات إنفاذ القانون لحماية نفسها. على الرغم من أن بعض الباحثين يصفون النظام الدولي بأنه "فوضوي" لعدم وجود سلطة عليا معترف بها عالميًا، فإن القانون الدولي، ومنظومة الأمم المتحدة، والمنظمات الإقليمية الأخرى لا تزال ذات أهمية قصوى. فبدونها، فإننا نخاطر بالانزلاق إلى الفوضى العارمة.
القيم الإنسانية في مواجهة المصالح السياسية الضيقة
من المحزن أن العديد من الدول تعطي الأولوية لمصالحها الوطنية الضيقة على القيم العالمية النبيلة، لا سيما فيما يتعلق بإدانة الجرائم المرتكبة ضد المدنيين الأبرياء ومنع تجنيد المرتزقة. هذا النهج الانتقائي يقوض بشكل خطير أسس العدالة الدولية وحقوق الإنسان. لا ينبغي للعالم أن يتجاهل بأي حال من الأحوال معاناة الشعب السوداني من أجل تحقيق مصالح سياسية آنية أو مكاسب اقتصادية دنيئة.
الطريق نحو السلام الدائم في السودان يتطلب تغييرًا جذريًا في طريقة التعامل مع ميليشيا الدعم السريع. يجب على المجتمع الدولي أن يعامل هذه الميليشيا بنفس الطريقة التي تعامل بها مع التنظيمات المتطرفة المماثلة، ليس فقط من خلال الإدانة القوية، ولكن أيضًا عبر اتخاذ إجراءات ملموسة لمحاسبة قادتها ومموليها وداعميها. ينبغي إعطاء الأولوية القصوى لقطع إمدادات الميليشيا من الأسلحة والمرتزقة.
بالإضافة إلى ذلك، يجب على المجتمع الدولي أن يدعم السودان بكل السبل الممكنة في إقامة عملية سلام شاملة تهدف إلى تشجيع الحوار البناء بين جميع أصحاب المصلحة، وتعزيز مؤسسات الدولة، وترسيخ احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون.
إن الشعب السوداني يستحق مستقبلًا ينعم بالسلام والازدهار، مستقبلًا خاليًا من العنف والقمع والاستبداد، وهو مستقبل لا يمكن تحقيقه إلا من خلال الالتزام الصادق بالسلام والعدالة والمساواة. لقد حان الوقت ليقف العالم أجمع إلى جانب الشعب السوداني المظلوم ويطالب بمساءلة جميع أولئك الذين يرتكبون الفظائع والجرائم البشعة.
ولا يمكن تحقيق السلام والاستقرار الدائمين في السودان إلا من خلال تضافر الجهود واتباع نهج موحد وثابت. إن مستقبل البلاد بأكملها يعتمد بشكل كبير على عزمنا الجماعي على دعم العدالة وحقوق الإنسان وسيادة القانون.